كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولو قال رجل لرجل، هزلًا ومزاحًا: زوجنى ابنتك على مائة درهم، أو قال: زوجنى موليتك، وهى تسمع، فقال له، مزاحًا وهزلًا: قد زوجتكها. انعقد النكاح وحل له وطؤها لحديث أبى هريرة الذي رواه أهل السنن عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِد، وَهَزْلهُنَّ جد: النَّكَاحُ، وَالطّلاقُ، وَالرَّجْعَةَ».
المثال الثالث والأربعون: إذا كان الرجل حسن التصرف في ماله، غير مبذر له، فرفع إلى الحاكم وشهد عليه أنه مبذر، فخاف أن يحجر عليه. فقال: إن حجرت على فعبيدى أحرار، ومالى صدقة على المساكين لم يملك القاضي أن يحجر عليه بعد ذلك، لأنه إنما يحجر عليه صيانة لماله، وفى الحجر عليه إتلاف ماله، فهو يعود على مقصود الحجر بالإبطال.
المثال الرابع والأربعون: يصح الصلح عندنا، وعند أبى حنيفة، ومالك، على الإنكار، فإذا ادعى عليه شيئًا فأنكره ثم صالحه على بعضه جاز. والشافعى لا يصحح هذا الصلح، لأنه لم يثبت عنده شئ، فبأى طريق يأخذ ما صالحه عليه؟ بخلاف الصلح على الإقرار، فإنه إذا أقر له بالدين والعين، فصالحه على بعضه، كان قد وهبه، أو أبرأه من البعض الآخر.
والجمهور يقولون: قد دل الكتاب والسنة والقياس على صحة هذا الصلح، فإن الله سبحانه وتعالى ندب إلى الإصلاح بين الناس. وأخبر أن الصلح خير وقال: {إِنَّمَا الُمْؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكمْ} [الحجرات: 10].
وقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «الصُّلْحُ بَيْنَ الُمْسْلِمينَ جَائزٌ، إِلا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلالًا».
وأما القياس: فإن المدعى عليه يفتدى مطالبته باليمين وإقامة البينة، وتوابع ذلك: بشيء من ماله يبذله، ليتخلص من الدعوى ولوازمها. وذلك غرض صحيح، مقصود عند العقلاء. وغاية ما يُقَدَّر أن يكون المدعى كاذبًا، فهو يتخلص من تحليفه له، وتعريضه للنكول، فيقضى عليه به، أو ترد اليمين، بل عند الخِرَقى: لا يصح الصلح إلا على الإنكار، ولا يصح مع الإقرار، قال: لأنه يكون هضما للحق.
فإذا صالحه مع الإنكار، فخاف أن يرفعه إلى حاكم يبطل الصلح، فالحيلة في تخلصه من ذلك: أن يصالح أجنبى عن المنكر على مال، ويقر الأجنبى لهذا المدعى بما ادعاه على غريمه، ثم يصالحه من دعواه على مال، ولا يفتقر إلى إذن المدعى عليه، ولا وكالته، إن كان المدعى دينا، لأنه يقول: إن كان كاذبًا فقد استنقذته من هذه الدعوى، وذلك بمنزلة فكاك الأسير، وإن كان صادقًا فقد قضيت عنه بعض دينه، وأبرأه المدعى من باقيه، وذلك لا يفتقر إلى إذنه. وإن كان المدعى عينا، لم يصح حتى يقول: قد وكلنى المنكر. لأنه يقول: قد اشتريت له هذه العين المدعاة بالمال الذي أصالحك عليه، فإن لم يعترف أنه وكله، وإلا لم يصح.
فإن لم يعترف بوكالته، فطريق الصحة: أن يصالح الأجنبى لنفسه، فيكون بمنزلة شراء العين المغصوبة. فإن اعترف بها المدعى باطنا، صار هو الخصم فيها. وإن لم يعترف بها له لم يسعه أن يخاصم فيها المدعى عليه، ويكون اعترافه له بها ظاهرًا حيلة على تصحيح الصلح.
وعلى هذا، فإن كان المدعى دار خلفها الميت لابنه وامرأته، فادعاها رجل فصالحاه من دعواه على مال، فإن كان صلحًا على الإنكار فالدار بينهما على ثمانية أسهم، على المرأة الثمن، وعلى الابن سبعة أثمان. وإن كان على الإقرار، فالمال بينهما نصفان والدار لهما نصفان. فإذا أراد لزوم الصلح على الإنكار، صالح عنهما أجنبى على الإقرار فلزم الصلح، وكان المال بينهما على سبعة أثمان، وكذلك الدار، فإنهما لم يقرا له بالدار وإقرار الأجنبى لا يلزمهما حكمه.
المثال الخامس والأربعون: إذا ادعى عليه أرضا في يده، أو دارًا أو بستانا. فصالحه على عشرة أذرع، أو أقل، أو أكثر، جاز، وكذلك لو صالحه على عشرة أذرع من أرض أو أخرى، جاز، لأنه يقول: قد أخذت بعض حقى وأسقطت البعض.
فإن خاف أن يرفعه إلى حاكم حنفى، لا يرى جواز ذلك بناء على أنه لا يجوز بيع ذراع، ولا عشرة، من أرض أو دار. فطريق الجواز: أن يذرع الدار التي صالحه على هذا القدر منها، ثم ينسبه إلى المجموع، فما أخرجته النسبة أوقع الصلح عليه، ويصح ذلك ويلزم.
المثال السادس والأربعون: إذا أوصى لرجل بخدمة عبده مدة معينة، أو ما عاش، جاز ذلك. فإذا أراد الوارث أن يشترى من الموصى له خدمة العبد لم يصح، لأن الحق الموصى له به إنما هو في المنافع، وبيع المنافع لا يجوز.
والحيلة في الجواز: أن يصالحه الوارث من وصيته على مال معين، فيجوز ذلك. وكذلك لو أوصى له بحمل شاته أو أمته، أو بما يحمل شجره عامًا. فإذا أراد الوارث شراءه منه لم يصح، وله أن يصالحه عليه، فإن الصلح- وإن كان فيه شائبة من البيع- فهو أوسع منه.
المثال السابع والأربعون: لو شجه رجل، فعفا المشجوج عن الشجة، وما يحدث منها ثم مات منها، لم يلزم الشاج شيئًا، ولو قال: عفوت عن هذه الجراحة، أو الشجة، ولم يقل: وما يحدث منها، فكذلك في إحدى الروايتين، وفى الأخرى: تضمن بقسطها من الدية. ولو قال: عفوت عن هذه الجناية، فلا شيء له في السراية، رواية واحدة. وعند أبى حنيفة له المطالبة بالدية في ذلك كله، إلا إذا قال: عفوت عنها، وعما يحدث منها.
فالحيلة في تخلص المعفو عنه: أن يشهد على المجنى عليه: أنه عفا عن هذه الجناية أو الشجة وما يحدث منها، فيتخلص عند الجميع.
المثال الثامن والأربعون: إذا مات وترك زوجة وورثة، فأرادت الزوجة أن يصالحها الورثة عن حقها نظرنا في التركة، وفى الذي وقع عليه الصلح، فإن كان في التركة أثمان: ذهب وفضة، فصالحتهم على شيء من الأثمان لم يصح، لإفضائه إلى الربا. لأن صلحها بيع نصيبها منهم. وإن صالحتهم على عرض أو عقار، أو كان في التركة دراهم، فصالحتهم بدنانير، أو بالعكس جاز. ولا تضر جهالة حقها، لأن عقد الصلح أوسع من البيع كما تقدم.
فإن كان في التركة ديون لم يصح، لأن بيع الدين من غير الذي هو في ذمته لا يصح. ويحتمل أن يقول بصحته، كما يصح عن المجهول، وإن لم يصح بنفسه.
فالحيلة في صلحها عن الدين أيضًا: أن يعجل لها حصتها من الدين، يقرضها الورثة ذلك، وتوكلهم في اقتضائه، ثم تصالحهم من الأعيان، على ما اتفقوا عليه، لأنهم إذا أقرضوها حصتها من الدين ثم وكلتهم بقبض حصتها من الدين، فإذا قبضوا حصتها من الدين فقد حصل في أيديهم بمالها من جنس مالهم عليها فيتقاصان. ويكون عقد الصلح قد وقع على العروض والمتاع خاصة.
فإن لم تطب أنفسهم أن يقرضوها قدر حصتها من الدين، وأحبت تعجيل الصلح صالحتهم عن حقها من المتاع والعروض، دون الديون. وكلما قبض من الدين شيء أخذت حقهًا منه، فإن تعسر ذلك، وشق عليها، وأحبت الخلاص. حاسبوها في الصلح من الأعيان بأكثر من حقها منها، وأقرت أن الدين حق للورثة دونها، من ثمن متاع باعه الميت لهم.
فإن أرادوا قسمة الدين في الذمم. فالمشهور: أنه لا يصح لأن الذمم لا تتكافأ، وفيه رواية أخرى تجوز قسمته، وهى الصحيحة. فإن قد تكون مصلحة الورثة والغرماء في ذلك، وتفاوت الذمم لا يمنع القسمة، فإن التفاوت في المحل، والمقسوم واحد متماثل، وإن اختلفت محاله. وإذا كان الغرماء كلهم موسرين أو معسرين، أو بعضهم موسرًا، وبعضهم معسرًا، فأخذ كل من الورثة موسرًا ومعسرًا، كان هذا عدلًا غير ممتنع وقد تراضوا به فلا وجه لبطلانه، وبالله التوفيق.
المثال التاسع والأربعون: إذا كان لرجل على رجل دين، فقال: تصدق به عنى ففعل لم يبرأ، وكانت الصدقة عن المخرج ودينه باقيًا، قاله أصحابنا لأنه لم يتعين، ولأنه لا يكون مبرئا لنفسه بفعله.
قالوًا: وطريق الصحة أن يقول: تصدق عنى بكذا، بقدر دينه، ويكون ذلك إقراضًا منه. فإذا فعل ثبت له في ذمته ذلك القدر، وعليه له مثله، فيتقاصان.
وكذلك لو قال له: ضارب بالمال الذي عليك والربح بيننا، لم يصح.
والحيلة في صحته: أن يقول: أذنت لك في دفعه إلى ابنك، أو زوجتك وديعة ثم وكلتك في أخذه والمضاربة به.
والظاهر: أنه لا يحتاج إلى شيء من ذلك. ويكفى قبضه من نفسه لرب الناس. وإذا تصدق عنه بالذى قال، كان عن الآمر. هذا هو الصحيح، وهو تخريج لبعض أصحابنا ولا حاجة به إلى هذه الحيلة، فإذا عينه بالنية تعين، وكان قابضًا من نفسه لموكله، وأى محذور في ذلك؟.
المثال الخمسون: يجوز استئجار الأجير بطعامه وكسوته عندنا، وكذلك الدابة بعلفها وكذلك المرضعة، وهو مذهب مالك، وقال الشافعى: لا يجوز فيهما، وجوزه أبو حنيفة في الظئر خاصة. فإذا عقد الإجارة كذلك، ثم خاف أن يرفعه إلى حاكم يرى بطلانها، فيلزمه بأجرة مثله، فالحيلة في تصحيح ذلك: أن يستأجر بنقد معلوم، يكون بقدر الطعام والكسوة، ثم يشهد عليه أنه وكله في إنفاق ذلك على نفسه وكسوته، وكذلك في الدابة.
المثال الحادى والخمسون: يجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره المؤجر، كما يجوز لغيره. وأبو حنيفة يبطل هذه الإجارة.
فالحيلة في لزومها: أن يؤجر ذلك لأجنبى غير المؤجر، ثم يؤجره إياها الأجنبى.
المثال الثانى والخمسون: إذا كفل اثنان واحدا، فسلمه أحدهما برئ الآخر، كما لو ضمنا دينا، فقضاه أحدهما، فإن خاف أن يرفعه إلى حاكم لا يرى ذلك، ويلزم الآخر بتسليمه.
فالحيلة في خلاصه: أن يكفلا هذا المكفول به، على أنه إذا دفعه أحدهما فهما جميعًا بريئان، أو يشهدا عليهما أن كل واحد منهما وكيل صاحبه في دفع المكفول به إلى الطالب، والتبرى إليه منه، فيبرآن على قول الجميع.
المثال الثالث والخمسون: يصح ضمان المجهول، وضمان ما لم يجب عندنا، كما يصح ضمان الدرك، فإذا قال: ما أعطيت لفلان فأنا ضامن له، صح ولزمه. وقال الشافعى: لا يصح.
فالحلية في صحته، لئلا يبطل ذلك حاكم يرى بطلانه: أن يقول: ما أعطيت لفلان من درهم إلى ألف، فأنا ضامن له. فإن ضمنه اثنان وأطلقا جاز، واستويا في الغرم. فإن ضمناه على أن على أحدهما الثلث، وعلى الآخر الثلثين، جاز ذلك لأن المال إنما يجب على كل منها بالتزامه، فإذا التزماه على هذا الوجه صح. فان أراد أحد الضامنين أن يضمن الآخر ما لزمه من هذا الضمان، فيصير ضامنًا، جاز ذلك أيضًا، لأن المال قد ثبت في ذمة كل واحد منهما، فإذا ضمنه أحدهما جاز كما يجوز في الأصل.
المثال الرابع والخمسون: إذا اشترك رجلان شركة عنان، فسافر أحدهما بالمال بإذن شريكه، فخاف أن يموت المقيم، فيشترى بالمال بعد موته متاعًا، فيضمن، لأنه قد انتقل إلى الورثة، وبطلت الشركة.
فالحيلة في تخلصه من ذلك: أن يشهد على شريكه المقيم أن حصته في المال الذي بينه وبينه لولده الصغار، وقد أوصى إلى شريكه بالتصرف فيه، وأمره أن يشترى بها ما أحب في حياته وبعد وفاته، فإن كان ولده كبارًا أشهد على نفسه أن هذا المال لهم ثم يأمر ولده الكبار هذا الشريك أن يعمل لهم في مالهم هذا بما يرى، ويشترى لهم ما أحب.
المثال الخامس والخمسون: إذا كان لرجلين على امرأة ألف درهم مثلا، فتزوجها أحدهما على نصيبه في المال عليها صح النكاح، وبرئت ذمة المرأة من ذلك المقدار، ولم يلزم الزوج أن يضمن لصاحبه شيئًا منه، لأنه لم يقبض شيئًا من نصيبه، ولم يحصل في ضمانه، فجرى مجرى إبرائها له منه. وبعض الفقهاء يضمنه نصيب شريكه من المهر، ويجعله كالمقبوض، لأنه عاوض عليه بالبضع، فهو كما لو اشترى منها به سلعة، فإنها تكون بينهما، وهاهنا تعذرت مشاركته في البضع، فيشاركه في بدله وهو المهر، فكأنها وفته نصيبه من الدين.
وطريق الحيلة في تخليصه من ذلك: أن يهب لها نصيبه مما عليها، ثم يتزوجها بعد ذلك على خمسمائة في ذمته، ثم تهب له المرأة مالها عليه من الصداق، فإن أحد الشريكين إذا وهب نصيبه من المال المشترك لا يضمن لشريكه شيئًا، لأنه متبرع. فإن خاف أن يهبها أو يبرئها فتغدر به، ولا تتزوج به، فالحيلة له: أن يشهد على إقرارها أنه يستحق عليها ذلك المبلغ، مادامت أجنبية منه، وأنه لا يستحق على زوجته فلانة شيئًا من ذلك المال.